الأحد، 29 يناير 2017

جرعة صيانة (4)

فَشَلت محاولة إدعاء عدم الإهتمام تلك بجدارة، فالعين على شاشة الهاتف و القلب يسجل خَطْوَهُ بإستبسال.. لا يكل و لا يهدأ.

إذاً يدعوها (سُنبلة)، تعرفهُ على صديقتها التي من طينتها و تستأذن منه للتحدث معه على انفراد... مذهولاً يبدو، يقبل بتردد ليختفيان وراء الحشد... 
أراقب أنا...يأتي شيطانٌ كآبتي ليخيم بجانبي (انتِ البعرفك منو؟)...الا يفترض بشياطيننا أن تصنع مِنّا مخلوقات (ايقوسنترية) تُقنعنا بأن العالم يدور في فلكنا؟! سأحاول تجاهل هذا الصوت أيضاً...

مرت دقائق، لا أدري خلال أيُها فقدت اهتمامي بسبر اغوار عالم أعتبره ملكي و خطفته سُنبلة مني،  شَدّ نظري مجموعة شباب يرقصون على إيقاعات أغاني الرطانة بأجمل طريقة شاهدتها في حياتي، حركات متناغمة،يميلون في نفس الوقت، سوياً يصفقون، معاً يضربون بأرجلهم الأرض، اختاروا الرقص في دائرة مُغلقة،ربما هذا هو حال الحياة ندور مروراً بنقاطٍ مُختلفة و لكننا نظل في نفس الحلقة، تذكرت قول أحدهم في برنامج تلفزيوني مُعلِقاً على رقصة تشبه هذه بالقول أنها مستوحاة من حركة البحر و الماء مداً و جزراً و حركة النخيل مع الهواء...لا أدري كم ظللت على تلك الحال،  انضم إلى تلك المجموعة اطفال من المدرسة... يتبعون القائد،  يتعلمون سريعاً هؤلاء الأطفال،متى فقدت هذه القدرة؟  
متى أصبحتُ قادرة على نسيان ماضٍ قريب، تعلق قلبي فيه و انكسر،  ننسى و لا نتعظ،  حال البشر و على رأسهم انا... 

عاد (الحبيب المُنْتظر)، لا تتبعه هالة، جاءت وحيدة من الجهة الأخرى... اسلوب تمويه أم فراق ظاهر؟  اكثرت من قراءة نظريات المؤامرة... 

تناديني سلمى للرقص،  تقترب هامسةً (عمتك سألت منك)، العبارات المفتوحة، خبرٌ مُغَلفٌ بلوم قد تتبعه معركة أخرى... لا قِبَلَ لي بحرب، سأرقص من أجل أن تراني عمتي...سأرقص حتى تهتريء أقدامي، تباً للكعب العالي، مرحباً بـ(مسمار الكعب) و أمراض الغضاريف و تَشَكُلِ العظام...كل ما يُهم هو المظهر المتناسق و بارك الله في مُسكنات الألم. 
تمسك سلمى بيدي،  كما فعلت دائماً في صغري، تختار لنا مكاناً في الصف المنتظم... و على حين غرة ينقلب اللحن و يبدأ الفنان بـ(البياح)...استُهلكت هذه الأغنية اكثر من تنفيذ رسومات كتاب(اليس في بلاد العجائب) في مكتبات بريطانيا، و انفصم وثاق الصفوف،  تفرقنا... انتشرت فوضى خلاقة.. 
جيلٌ يرقص رقص حديث، جيلٌ ينفذ حركات الجيلاني،  و آخر يغني واقفاً، يتبع اللحن حيناً و ينشز أحياناً...و إني لمن هؤلاء، علاقتي بالرقص مُعقدة جداً،  عندما اكون وحيدة ارقص كمايكل جاكسون "في اسوأ حالاته" يضيف (محمود) أخي الذي أكبره بثلاثة اعوام،  و أمام البشر لا اتحرك، فقط اتجمد، اتقن دور الثلج،  دائماً ما اعطي من أمامي إحساساً بأن الجاذبية في بقعتي هي الأعلى.. بأن الأرض تنتج اسمنتاً لإبقائي على سطحها من دون حراك... تقسم والدتي أنها عين، و يصر الخواجات على أنه رهاب اجتماعي، سأصدق أمي.  

فجأة يقف  أمامي ، هذا الرجل "ملك الفجأة"،  سيتسبب بقتلي يوماً ما،  تضحك سلمى (مُختااااااار.. ما معقول)، أشك الآن ان اسمه (مختار ما معقول).. احتاج لمرة ثالثة للتأكد،  و ...دقيقة،  حتى سلمى تعرفه؟!  
مَدَ يده بثقة، كأنه و سلمى أصدقاء سنين، مرت دقائق او ثوانٍ أحسبها سنين... ماذا أفعل ارقص؟ اقف كالصنم كما كنت؟  ام.... تقاطع سلمى لحظة الحسم تلك "نسيت أعرفك، على عبير، أختي، صيدلانية و كدة"...يا وكيلي يا الله... يبتسم لي،  للملاك ابتسامة،  مد يده و توقفت الدنيا (هو دي انتي انتي ولا واحدة تانية؟)..ثَقُلَ لساني، و ثقلت يدي،  امدها بصعوبة،  يؤلمني فكي،  ينقطع الهواء عني... أعراض ذبحة؟  ماهي الإحتمالات لشخص في سني و بأسلوب حياتي و وزني هذا؟ بعيدة؟!...اوميء برأسي فقط،  يضحك و يميل نحو سلمى سائلاً(بكماء هي؟!)...قطبت حواجبي، بدأت الآن أضعه في رأسي.. بدأ يستفز صمتي،  سأرد صمتاً و ليمُت هو حديثاً...و.. اللهم إني أعوذ بك من هذا الفأل. 
= اتقابلتوا يعني؟!  تمام طيب. 
- شبه كدة،  بس ما كنت عارفها بِتَكُم! 
=كانت في الجامعة ايام جيتنا،  و الله يا مختار يا حليلك.. 
- تحلى ليك العافية..  

يبدو لَبِقاً، لديه فن في الرد عالٍ، شيء آخر لا املكه...كيف حكمت عليه سريعاً هكذا؟  هممم لا يهم، فلي مهاراتي الخاصة...تتضمن هذه المهارات إصدار حُكم مُتطرف سريعاً، بناءً على حدث مُفرد..يعقبه تعميم على نطاق واسع،  يليه خيبةٌ أمل عظيمة...و تستمر الحياة. 
قطع تلك الوقفة صوت (سواح) خلفي،  يلبس ملابس خضراءٌ غامقة، و يضع حول رأسه ثوب هزاز قديم كان لوالدته لفه بمهارة، حاملاً في يديه (سعفةُ) نخلة...
(الحــــب مرض... ما تحبوا،  الحب مرض ما تحبوا... إنتي بالذات ما تحبي... قالوا السُمَان حسااااسين) 
- الله يقطع يومك ياخ.. قِد من هنا. 

ذهب سواح مكسوراً، رمقتني سلمى بنظرة مُبهمة..
قلت مبررةً : عامل مجنون و عايش الدور 
اجابني مختار : طلعتي بتتكلمي..!!! 

انتهت لحظة الأحلام الوردية،  لسواح تلك القدرة،  اكرهه... احتاج لأن.... اعتذر منه،  سألحقه.  

انتهت الحفلة، بعد أن عدت للجلوس في الصف الأخير،  انتهت ب(عديــلة اوو)، (مع السلامة مع السلامة)  يرد الجميع ب(اوووووو)..يودعهم الفنان ب(إن شاء الله نتلاقى بالسلامة.. الله) 

أرغب في هدوء،  في غرفة استجواب مُحكمة، في ضوء لمبة صفراء يضْربُ في وجه سلمى،  في كوب ورق رخيص فيه من قهوة عم عثمان الكثير... سأستجوبها لساعات سأجمع عنه أكثر مما جمعت أمريكا عن الجماعات المسلحة و المليشيات سـ... أفعل الكثير. 

كُرسي طائر يلوح في الأفق،  يبدأ البعض في الجري، اتفرج على المشهد كأنه في التلفاز،  تسمرت كعادتي مُنفصلةً عن تقدير عواقب جلوسي تلك... شدت والدتي يدي مُغتاظة تُلقي باللعنات على سكارى ناقمين على عبدو،  تباً لمشاهد العنف على التلفاز،  تعودت عليها حتى صرت لا افرق بين مشاهدتها و العيش فيها... جريت خوفاً لحظة استفاقتي تلك،  شامتة اعترف،  كم خرب عبدو من ذكرياتٍ لكثيرين بسبب مشاجرات مفتعلة في منتصف الحفل؟!  17 مرة حضرت انا منها 11 مشاجرة، ووصلني سمعاً بقية المرات،  عبر الهاتف من عائلتي او من (سلوى) بالتأكيد...نعم لدي سِجِلات كهذه..

هرولت لمنزل خالتي القريب من منزلنا بعد ان وصلت و عائلتي لبر الأمان، التصقت بحائط الفناء،ضحكت حتى شكت والدتي في امكانية تناولي لـمُخدر ما،  ضحكت حد الهستيريا،  و من دون أن اشعر رأيت سلمى امامي تحمل طفلها،  تضحك معي حيناً و تجامل والدتي بنظراتٍ جادة أحياناً...(معليش ماما،  انااااا مااا زعلانة ليهو... ده خارب حفلات الأمة كلها.. كويس إنها بقت في نهاية الحفلة.. احترموهو زاااتهم) 
- ما صح منك الكلام ده 
تعقبها والدتي بعشر جُمل بالنوبية.. اقرر الصمت
أعود للضحك مرة أخرى،  هذه حالة لا حول لي فيها و لا قوة،  اسأل، و يخونني السؤال: 
انتو (مختار ما معقول... ده منو؟)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق