الاثنين، 20 فبراير 2017

جرعة صيانة (6)

جاءت لحظات وداع المستشفى التي انتظرتها بنفاذ صبرٍ، فلكمات نوال المتلاحقة لم تؤذنِ، بل آذتني محاولات تفاديها الكثيرة، أحاول التمسُك بسلامتي العقلية و لكن من دون أن اتبع طريقها، فهنا حُفرة تقصدني بها، و تلك تقصد بها عصام، و أخرى والدي، و هكذا فالطريق خلف حديثها مُلغم.

أصر مختار على أن يوصلنا للمنزل، و تصر والدتي على العودة مع بقية من حضروا من منطقتنا،  و  في مواجهة كهذه.. الغـلبة للرجال. 
خرجنا في براحٍ عكس ذلك الذي دخلنا بين ضلوعه، فجأة تتغير ملامح العالم، يتوفر الأوكسجين، يخِف الإختناق، تبدأ حياة أخرى،  ابطالها من الكادحين، ستات شاي ،بائعات تسالي و فول سوداني يفترشن الأرض، درداقة اوانٍ منزلية يجادل بائعها إحدى النساء، بقالات و كافتيريات رأت النور منذ وقت قريب،  منذ وقت قصير تحولت بوابة المستشفى من الجهة الشرقية للشمالية، و سحبت معها الزخم البشري من جهة لأخرى،  لتصبح البوابة القديمة التي كانت تنضحٰ حياة... مجرد بوابة.  توقف مختار اشترى من بائعة ما بعضُ اكياس الفول السوداني، سرتُ خلفه متثاقلة،أحرص على أن اصقل نظراتي فلا تتخذه قبلةً. 
سبقتني والدتي و بالتأكيد نوال،  اختارت بجانب مختار مقعداً، دعوت الله سراً بمقعد في الجحيم يسعها و يزيد نيفاً، ثم استغفرت نادمةً، فعدت مجدداً لنفس الدعوة.
تتأسف والدتي كثيراً، و يمنعها مُحرجاً مختار،  و انا اراقب دفق الأكسجين إلى رأسي..قليل هو، افتح النافذة و احاول أن اصنع عالماً جديد لي في مخيلتي،  اكون فيه جذابة، إمرأة أعمال ناجحة، لا املك عيون راكون تحيطها الهالات، عالم امارس فيه طقوس الكلام بشتى اللغات، ارقص فيه بحرية، اصلي بخشوع، عالم لا يحكمني فيه ميزان في ركن الصيدلية او سعرات حرارية، عالم لا اسمع فيه نصائح و إعلانات للتخسيس،  عالم لا يتجاذبني بين طرفين متراميين، بين وزنٍ ارضي به المجتمع... و آخر أرضي به توقي للموضة. 

= ما قلتي لي يا عبير.. خطيبك لاقيتيهو وين؟ 
يبدو الصوتٌ بعيداً، اعيد ارجاع رأسي للداخل قليلاً، تعود نفس النغمة المزعجة للإرتفاع،  تُعيده عليّ نوال، اعود للواقع بقوة، يبدو أنه شعار ٌ قومي الجديد، ارتفع في أحلامك كما تشاء،فالعودة للواقع هي اختصاصنا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق