الثلاثاء، 21 فبراير 2017

جرعة صيانة (8).

قبل دخول المنزل بعد الوداع، أتت العربة(بوكس) التي تقل سلوى و بعض قاطني المنطقة، وضعت قدمها على الأرض و حبها للتطفل لا يزال سابحاً في فضاءات عقلها، حاولت الإسراع، لإقفال الباب قبل قدومها، إلا أنها كنائبات القدر، مُسطرُ وقوعها، تختلف مع النائبات في أنك تدفع بلاء تلك بدعوة صادقة أو صدقة تُريد بها وجه الله.
واضعة أصابعها على الباب، مانعة عملية إغلاقه، طرحت سؤالها:
- ده مختار؟ اختفيتوا فجأة،سألت عنكم قالوا جابكم هو
= أصر علينا
- أصلاً زول مواقف هو، ما بيستاهل هالة ديك والله،  داير واحدة تليق بيهو، هسة الحاصل معاهم شنو؟
= ما عندي فكرة، علاقتي بيهو ما على قدر التفاصيل دي.

كذبة أخرى، سأرافق نوال في مقعد الجحيم، لا زلت أكذب و أتحرى الكذب، كم كذبة على المرء أن يقترف حتى يُكتب عند الله كذاباً؟
أخبرتني سلمى-يوم أحداث الشغب في زواج عبدو- عن تاريخ مختار كاملاً، ابتداءً من علاقته مع عصام التي بدأت منذ زمن الطفولة عندما كان من قاطني القرية، و ما تلاه من رحيلهم لمنطقة مصنع السكر بسبب عمل والده كمهندس زراعي فيه، ثم رحيلهم بعد معاش والده لحلفا المدينة، و رغم هذا فلا يزال مرتبط بمنطقتنا بزراعة أرض زراعية كان والده قد أشتراها أثناء إقامته هنا فضاً لنزاع ورثة بين إخوة، بالإضافة لإمتلاكهم مصنعاً للأجبان في سوق حلفا، و عقارات مُتفرقة، والتي-حسب سلمى- بالنسبة لوالده تأتي في المرتبة الثانية بعد تقوى الله.
لم تخلٌ قصة سلمى من تفاصيل غراميات مختار،  و التي كانت بطلتها دائماً (هالة)، و حسب ما وصلني فهو لا يزال في حالة تواصل من نوع ما معها..

بدأت بسحب الباب قليلاً في وجه سلوى، مع (عزومة مراكبية) بدعوتها للدخول، و هذه دعوة رجوت الله أن لا تُلبى،  و كان لي ذلك، أعتذرت عن الدخول بوجود زوجها الذي يُمثل في حواراتي المُختصرة مع سلوى.. ضمير مُستتر تُقدره هي حيناً و تتجاهله أحياناً.

ظللت تلك الليلة أتقلب ذات اليمين و اليسار، تلاحقني نظرات والدتي و نظرات مختار، كلمات نوال ، قضيت الليل أجترُ كلماتي، استغفر قليلاً... ثم أستعين بـ(يا لطيف) كثيراً حتى أدركني النوم.
حلمت بوالدتي تخبرني بأن هذا جزء من عذاب الدنيا، فكيف بالآخرة؟
استيقظت فزعة، قررت قضاء الليل في الفناء(الحوش)..تمددت،  نظرت للسماء، للنجوم، بعض الشهب، و القمر يمارس معي لعبة، ما أن يلحظ توه نظراتي فيه.. حتى يختبيء خلف سحـابة.
أصبحت غريبة، بين يوم و ليلة.. سأتعوذ ، أُسلم وجهي لله، ماذا يحدث لي؟  أصبحت مُتخمة بالأحاسيس و الأفكار... أين أهرب من عقلي؟
يبدأ قُرآن صلاة الصبح، و سكينة العالم في أوجها، يُفتح نور الصالة، استطيع سماع وقع خطوات والدتي ووالدي، يتسارع وقع الحياة بعد الصلاة،يحل نور الصباح، تبدأ الهموم بالتصاغر، اندم على ليلة قضيتها تفكيراً، ثم أسرع لأعيش نهار جديد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق